لقد شهدت سوريا الجريحة في السنوات الماضية حربًا طائفية دموية بين الإسلاميين السنة والشيعة سواء كانوا دولا أو منظمات أو ميليشيات حيث شعر السنة بضرورة تعديل كفة التوازن الطائفي بعد دخول بغداد في العباءة الإيرانية فأنتصرت الأغلبية الشيعية العراقية التي ظلت ترزح تحت حكم الأقلية السنية العربية منذ عشرينات القرن الماضي , فأراد السنة في المنطقة تعديل الأمر في سوريا التي تحكم الطائفية العلوية الصغيرة فيها الأغلبية السنية هناك وضحى الطرف السني بحليفه السوري العلوي الذي يجيد توظيف علاقاته الدولية والأقليمية لصالحه والذي كان يحتفظ بعلاقات متميزة مع الإيرانيين مستغلا تطابق الموقف الايراني معه في موضوع فلسطين ولبنان فضلا عن التقارب الطائفي الذي أوجده الأسد أثناء الحرب العراقية– الإيرانية بين العلويين وبين الشيعة الإمامية بعد قرون من القطيعة الطائفية بل والعداء التأريخي بين الاسماعيلييين والإمامية.
لقد كانت الثورة الإسلامية التي قادها الملالي في إيران نقطة تحول في الساحة الأقليمية والدولية وقد ساهمت مع ظهور السعودية في إذكاء البعد الطائفي في العلاقات الأقليمية بين دول المنطقة وعلى أي حال كان الموقف السني من النظام السوري موقفا غير موفق وتعوزه الحنكة السياسية والبراعة الاقتصادية فقد ضحت الدول الخليجية بخير حليف لها في دمشق، وهذا كان بسبب ضغط المؤسسات الدينية والرأي العام الذي تقوده والمتضايق من امتداد النفوذ الإيراني والذي يشعر بالهزيمة نتيجة فقدان حاضرة الخلافة العباسية. وأرى إن المراهنة على قوى المعارضة الإسلامية كبديل للأسد لن يخدم العلاقات الخليجية – السورية فالصاعدون إلى السلطة حديثا من الصعب ترويضهم أو ضمان العلاقات الطيبة معهم خاصة بعد ظهور الخلافات العميقة بين المؤسسة السلفية الرسمية السعودية و الفصائل والحركات الجهادية السلفية الى الحد الذي أفتى شيوخ تلك الحركات بكفر المملكة السعودية راعية الإسلام السلفي في العالم.
ولكن بعد مجيء ترامب وفريقه السياسي إلى البيت الأبيض بعد ست سنوات من القتال في سوريا، وفشل المشروع الخليجي – السلفي بالإطاحة بحكم العلويين في سوريا، تغير كل شيء.
فترامب وإدارته الجديدة ينظرون إلى الإسلاميين كمصدر خطر دائم على مصالحهم والأمن الإقليمي والعالمي ومن غير الممكن أن تقبل أمريكا بأي تغيير في شكل النظام السياسي في سوريا يساهم بصعود أية قوة إسلامية حتى وإن وصفت بالمعتدلة ولهذا تراجع الخطاب الخليجي الرسمي تجاه نظام الأسد وبدأت تجري لقاءات في السر والعلن يين المسؤولين الخليجيين والسوريين، وفي نفس الوقت وعى بشار الأسد وحليفه الروسي بأن هناك ثمة بادرة أمل لبقاء حكم العلويين في سوريا بشرط خروج الإيرانيين والميليشيات الشيعية من سوريا ولا أستبعد بأننا سنرى دمشق في المستقبل وهي تنأى بنفسها عن المحور الإيراني طالما إن الحليف الروسي حاضر وبقوة في الساحة الروسية ولكن المواقف السياسية وأيا كانت لا بد أن تدعمها الحسابات والمواقف العسكرية فالنظام السوري لن يصمد بدون القوى البشرية القتالية للمقاتلين الشيعة الأشداء حتى وإن كان الغطاء الجوي واللوجستي حاضرا فحرب العصابات والمدن تحتاج إلى مقاتلين على الأرض وهذا ما يفتقره الجيش السوري اليوم، وأعتقد هذه هي الإشكالية التي تقف بوجه التوافق الروسي– السوري- الاميركي وهناك إشكالية أخرى تتمثل بعدم وجود استراتيجية إيرانية للخروج من سوريا حيث شعر الإيرانيون بأن الإبتعاد عن الأرض السورية هو الأفضل لهم اليوم ولكن في نفس الوقت كيف ستترك إيران أذرعتها العسكرية هناك تواجه مصيرًا مجهولًا خاصة بعد أن أنهكت في هذه الحرب الدموية، وكيف ستتخلى إيران عن منطق نفوذ دافعت عنها بضراوة في السنوات الماضية؟
لا توجد هناك عصا سحرية تستطيع أن تحل كل التعقيدات التي خلفتها سنوات الحرب ولكن مستقبل المعارضة الإسلامية في سوريا حتى المعتدلة والميليشيات الشيعية مرهون بالطريقة التي سيتوافق عليها اللاعبون الكبار في المنطقة (سوريا– روسيا– الولايات المتحدة وربما تركيا) لنشهد خروجا مذلا لتلك القوى من سوريا وخسارة تأريخية ستكلفهم الكثير.